الأربعاء، 22 يونيو 2011

من هو المواطن السعودي المعاصر ؟



أقصد بالسعودي هنا هو المواطن الذي يتراوح عمره بين 20 و 45 سنة , قد يكون موظف بيروقراطي بالمرتبة الثامنة في وزارة الإسكان , قد يكون رقيب في الشرطة … في الصباح فقط , قد تكون معيدة مبتدئة نحيلة في كلية التربية وتفكر دوماً بإكمال دراستها في الخارج وتشعر أن هذا الأمر مستحيل لعدة أسباب يطول شرحها , قد يكون معلم متدين يعمل على المستوى الخامس في مدرسة الإمام الغزالي المتوسطة ولا يشعر هذا المعلم بأي قيمة تربوية أو وطنية فيما يقوم به فعلاً ويشعر بالحقد الأبدي ضد كل وزراء التربية في الشرق الأوسط , وقد يكون عاطل عن العمل ولديه بوفية صغيرة وأغلب دخله يكون من والده ( الأب لديه سكسوكة كبيرة غير متوازية الأضلاع ومصبوغة بالأسود ) الذي يعمل بوظيفة خوي لدى الأمير سلطان مثلاً ,  قد يكون طالب في كلية العلوم ( تخصص أحياء ) ويفكر دوماً في التحويل إلى كلية الحاسبات , قد تكون خريجة اقتصاد منزلي ومتزوجة وكُتب في عقد النكاح أن يسمح لها زوجها بالعمل ولكن عمرها الآن تجاوز الثلاثين وهي مجرد ربة منزل عظيمة , قد يكون من أوائل الخريجين من كلية المجتمع قبل 11 سنة ويعمل على إستقدام العمالة بعقود مقاولات وهمية ليتاجر بهم , قد تكون ممرضة تخرجت من الكلية الصحية بتقدير ممتاز وتذهب إلى المجمعات التجارية بحذاء رياضية من ماركة ( نايك ) وتعتقد أن قمة التحرر الإجتماعي هو أن تضع ساق على الأخرى وهي تجلس أمام المحلات تنتظر فتحها ( أقصد المحلات ) بعد صلاة العشاء ,  هؤلاء الذين يقفون أقصر مما ينبغي بسيارات الكامري أمام الإشارات المرورية في كل الاوقات تقريباً ولا نلحضهم نحن المثقفون لأننا أصبحنا نتطلع إلى هواتفنا الذكية بدلاً من مراقبة هذه الوجوه العادية المسطحة الخالية من التعابير ومن الجلال  , العاديون الذين يحرصون على حضور المناسبات الإجتماعية ولكن يحرصون على عملهم أكثر وعلى أبنائهم أكثر وأكثر , السعوديون المعاصرون الذين يعتقدون مهما أختلف مستوى تعليمهم وثقافتهم على أهمية العلم في صياغة مستقبل جيد لهؤلاء الأبناء , العاديون المعاصرون من الطبقة المتوسطة الذين يٌقال أنهم الأغلبية الصامتة سأحاول تعريفهم للأقلية النخبة التي تقرأني الآن.

الحياة الإجتماعية للسعودي المعاصر

في الغالب لا يوجد الكثير من التفاصيل في حياة السعودي المعاصر , تحولت الإمتدادات القبلية إلى عائلات شبه مستقلة , بعد عقود من التنمية حولت فيها الدولة – بقصد منها أو بمنطق القانون العالمي – حياة الناس إلى كتل عائلية , لكل عائلة قرض سكني واحد وأرض سكنية واحدة وعائل واحد ومصدر رزق حكومي واحد , الأمر الآخر الذي حول المجتمع القبائلي إلى أن يقسم نفسه هو نجاح تجربة العائلة النجدية الصغيرة والمتماسكة , وبالتالي انتشرت فكرة التخلص من اللقب القبيلي إلى الفخذ وهو ما يُذكر بالتجربة الصينية في الإنجاب ( الجودة وليس الكمية ) بالرغم من أن وسائل الإتصال والمواصلات كانت تساعد الشكل القبائلي الهرمي الممتد.
الفئة العمرية التي تحدثت عنها ( 20 – 45 ) هي في الغالب تنتمي إلى عائلة من أب وزوجة أو عدة زوجات ومتوسط 13 من الأبناء , تربوا في مدارس حكومية , ولديه إعتقاد أصيل أنه أجمل شئ في الكون وبالتالي يكون حقه المقدس أن يبطن كفره بالآخر أياً يكن حتى لو كان جاره الذي ينتمي إلى القبيلة الأخرى بالرغم من أنه يشكل الجيل الثاني الذي عاش في مدينة مليونية مختلطة بعيداً عن الصحراء والقرية ذو القبيلة الواحدة , هذه الحياة العائلية جلعته يتصور أن القدوة الوحيدة في العالم تتمثل في الأب , تبدو هنا وبجلاء ظاهرة الأبوية الإجتماعية حين يتحول الأب إلى رمز يتشارك في صناعته السياسي بإعتبار هرم الدولة أكبر الأنجال والديني بإعتبار السن من شروط الإمامة والتراتبية الدينية ومفهوم البِر واحترام الكبير ثم الإداري والمدرسي , هذه الظاهرة تصنع وبامتياز رجل في الثلاثين من عمره مسلوب الرأي والإرادة ويتحيز إلى الماضي , ليس الماضي الذي عاشه هو بل الماضي الذي عاشه والده وجده حتى لو كان هذا الماضي أكثر بؤس وغباء , خطورة الأبوية الاجتماعية هو في سحق قيمة التقدم أو الإبداع لدى الإنسان السعودي المعاصر أمام طغيان قيمة السكون أو التراجع.

دين السعودي المعاصر

لا يمكنك أن تفهم السعودي المعاصر دون أن تفهم الدين الحنبلي من ابن حنبل حتى ابن باز , أكرر الحنبلي والحنبلي فقط , حتى 30 سنة قادمة وعلى نهج الدولة السعودية التي تتباطئ كثيراً ولها تاريخ مجيد في هذا التسويف , سنعرف أن مشكلة المناهج مشكلة بديهية جداً بتطرفها , وأقصد بالتطرف ليس التطرف العقدي فقط ولكن التطرف من خلال رؤية الدين من منظور فرد واحد فقط , وقد أتحدث كثيراً ولكنني أقولها ببساطة ( هذه بلادهم وهم يختارون مناهجهم ومناهجنا ) , الملخص النهائي لكتاب التوحيد لمؤلفه محمد بن عبدالوهاب هو أن الله خلقنا لعبادته , هذا هو جوهر دين السعودي المعاصر , كل النهايات والحكايات والحركات تنطلق من العبادة إلى القبر والعودة في ذات الاتجاه , لذلك لا عجب أن نرى هذا الهوس الديني في الكتابة والفنون والعمارة والطبخ والصناعة والرقص والتجارة وكل مناحي الحياة , الحياة المدبجة بالله والسنة تصنع مجتمع أفراده منافقين لأن ذلك إفتراض أن الحياة واحدة والعقول واحدة وسلوك الناس واحد أو يجب أن يكون , هذه الوحدة تسندها فزاعة الفتنة والخوف من الفرقة وفقدان الوحدة والهوية والفساد الأخلاقي وبقية الأساطير التي تدور خارج الخندق الذي يجب أن يتمترس كل المجتمع داخله. 
ومن هنا يكون الفرد الضعيف إجتماعياً فريسة للدروشة الدينية , فأفراد المجتمع الأذكياء النشطاء إجتماعياً هم أتقياء ويقوى الدين بهم , هل يسرق الإنسان السعودي المعاصر ؟ , في هذه الحال قرار السرقة ليس بيده على كل حال , فهو يستند إلى المرجعية الأبوية أولاً فإن كان الأب يعتبر هذا التصرف نوعاً من النباهية فسوف يسرق , وإن وجد في صفات الأب ما يُجرم فعله سيجد المخرج في الأب السياسي أو الديني أو الإداري ولا بد أن يجيبه أحد الآباء بالإجابة المناسبة , وهو في كل تصرف غير أخلاقي وغير سوي , الدين الحنبلي يركز كثيراً على حزمة العبادات ولا يكترث إلى الأخلاق وهو لعمري ما أفسد خلق الإنسان السعودي المعاصر , وبالمناسبة لو اقتحم السعودي المعاصر موقع فيس بوك سيضع كتابه المفضل ( القرآن الكريم ) , وبالمناسبة أخيراً أعتقد جازماً أن زعماء الدين الحنبلي لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ويتقاطعون مع الفيلسوف الألماني نيتشه في فكرة موت الإله لذلك يحاولون أن يمارسوا دور الإله على البشر قبل موتهم وموت البشر.

الآراء السياسية للسعودي المعاصر

كتبت ذات مرة قصة قصيرة أن موظفاً محترماً بالمرتبة العاشرة يخرج من عمله الساعة الثانية ظهراً ينام حتى السابعة ثم يستيقظ , تحضر له زوجته المكتئبة ثلاجة القهوة المبهرة بالهيل وصحن التمر والمعمول ويفتح الاب توب , يكتب في قوقل ( سبق ) , تظهر الصفحة وينقر على صفحة فيها خبر محلي , يدير الاب توب بعد أن ينزلق إلى أسفل الصفحة في خانة التعليقات ودون أن يلتفت للخبر أصلاً ويكتب ( السيف الأملح يا بو متعب ) ثم يرسم الوجه الغاضب المحَمر , هذا أقصى ما يفعله الإنسان السعودي المعاصر سياسياً. 
الخصوصية السياسية ليست وهم , السعودية هي البلد العربي الذي توحد وأعلن إستقلاله أولاً قبل أغلب البلدان العربية التي كانت ترزح تحت الإستعمار , وكل الذين ساهموا في الوحدة الوطنية في بداياتها كسبوا الكثير من الإمتيازات النفعية ولا زالوا , السعودية أيضاً لم تكن مدينية ففي عصر الدولة الحديث توسعت المدن وازداد عدد السكان في أمكنة يستحيل العيش بها بلا نفط , إجمالاً هذه التفاصيل صنعت إنسان سعودي معاصر بلا هوية سياسية , بل بهوية مشوهة , كيف تعرف هذا ؟ حاول أن تحاور 3 سعوديين معاصرين عن تعريف الوطنية أو بماذا نعني بالدفاع عن الوطن أو ما هو أغلى ما نمكله في الوطن ؟ أنا مع تعددية الإجابات بالطبع ولست مع التيه , أصبح المواطن السعودي المعاصر خانع بدرجة مزرية ولكنه مقتنع أن خنوعه وصمته هو حالة طبيعية يدعمها ويوفر غطائها الدين الحنبلي والظاهرة الأبوية الإجتماعية , فموظف المرتبة العاشرة فحل ومسؤول كبير وإجتماعي وبدأ يهتم للشأن العام من خلال متابعته للصحيفة الإلكترونية الأكثر إنتشاراً في السعودية ولكنه في قرارة نفسه خائف ويتجنب الكتابة بإسمه الصريح , الإنسان السعودي المعاصر يعتقد أن ثمة فساد في الدولة ولكنه لا يريد أن يحدد شخص بعينه ليس لأنه لا يملك الدليل ولكنه ببساطة  خائف ويعتقد أن المخاطرة لا تستحق , الإنسان السعودي المعاصر يريد محاربة الفساد بالفعل وفرح كثيراً بصدور قرار إنشاء هيئة مكافحة الفساد ولكنه يعتقد يقيناً أن الهيئة ( خرطي ) , هو ذات التصرف يتكرر في موقفه النمطي من الإنتخابات البلدية , فلو دخلنا البيت عليه وهو جالس مع زوجته المكتئبة ومعنا كاميرا لنصوره في مداخلة عن رأيه في الإنتخابات البلدية , لوجدته يشكر الدولة من الهرم إلى القاع على هذه البادرة العظيمة وربما تحمس وألقى قصيدة بمناسبة المناسبة الكريمة ولكنه يُسر لزوجته في الفراش وفي تمام الساعة الحادية عشر ليلاً أن الإنتخابات البلدية ( خرطي ).

الجنس في حياة السعودي المعاصر  18+

لاحظوا أن السعودي المعاصر يضع يده على مؤخرة زوجته عندما تداعب قضيبه , فكرة مص القضيب هي سر العلاقة كلها إن لم نقل العلاقات الحياتية في مخيلة السعودي المعاصر الشغوف بحب التملك والسيطرة , السعودية المعاصرة في المقابل نجدها تمانع هذا الحركة المشينة ولديها بالطبع نسخة من فتوى لا تتداول كثيراً عن تحريم مص القضيب , إجمالاً وبعد ( ممانعة ثم إعتدال ) لا يتجاوز فم السعودية رأس القضيب وفي الغالب تكون طريقة المصجانبية وليست طولية بحيث يكون جزء فقط من الرأس في فمها , ولا تتفهم السعودية موقف اللسان العبثي الذي يروق للرجل المتخرج من جامعة خارج السعودية.… يجب أن أتوقف
لماذا أكتب بهذه الوقاحة ؟ لكي نفهم لوغاريتم السعودي المعاصر لابد أن نكسر المقدس المحظور لديه , أولاً يجب أن نقول أن أغلب مشاكلنا الإجتماعية ( الإختلاط – الإبتزاز – غلاء المهور – عمل المرأة – البويات – الشذوذ … إلخ ) هو متعلق بالفتنة , ماهي الفتنة ؟ هي الجنس , هي العلاقة الذي ذكرت جزء تفصيلي عنها في الأعلى , المعلم مغتصب الأطفال في جدة لم يجد منبراً جيداً ليقول أنه رب أسرة ومعلم ولديه أطفال ولكن لديه خلل ما يجعله يرغب في إغتصاب الأطفال , آلاف المحاضرات والأشرطة والبرامج التلفزيونية وصفحات الفيس بوك وحسابات تويتر والكتب والمطويات والملصقات والهدايا التذكارية كلها تدور حول التحذير من العلاقة بين الرجل والأنثى , إنها بلاد الجنس الغامض الذي يحشر نفسه بالقانون والعرف في كل مشاريعها التنموية وغير التنموية , هذ العلاقة التي يقترح الدين الحنبلي والنظري الأبوية الإجتماعية أن تتوقف , أن تتلاشى , أن لا يتحدث عنها أحد فوق الأغطية الرمادية , أن نبتكر فجأة وبعد امتداد تاريخي للغريزة الجنسية منذ العلاقة الجنسية بين آدم وحواء مجتمعاً سامياً بلا جنس , ماذا صنعنا ؟ صنعنا أكبر تشوه يمكن أن يحدث في مجتمع حديث , أكثر مجتمع يتابع الأفلام الإباحية ( ولا ينتج وإن فعل فالإنتاج ردئ ومتسرع ) وينظر للمراة بإعتبارها أداة للمتعة والرذيلة معاً , وبإختصار أصبحت سمعة المعلم المتدين الذي يدرَس في مدرسة الإمام الغزالي ( خرا ) كلما ذهب إلى المغرب في إجازة الربيع.

المستقبل بالنسبة للسعودي المعاصر

شاهدت قبل سنوات فيلم أميركي قديم من إنتاج 1957 بعنوان ( 12 رجل غاضب ) , عظمة الفيلم الذي حصد العديد من جوائز الأوسكار وإعجاب الملايين ليس في القصة والحبكة ومكان التصوير ( غرفة واحدة طوال الفيلم ) ولكنه في مقطع صغير بالنسبة لي ولكنه بالغ التأثير , في هذا المقطع يتحدث أكبر هؤلاء الرجال الـ 12 ( يقف في أقصى يمين بروشور الفيلم بالأسفل ) ليبرر قيام رجل مسن بالشهادة زوراً في جريمة , يقول لبقية الرجال أنكم لا تعرفون ماذا يعني أن يقف رجل مسن وسط المحكمة لينصت له كل من في القاعة من القضاة والمحلفين والمدعي العام والحضور والمجرم نفسه , أن يعيش اللحضة الخالدة والوحيدة حياته في كونه إنسان مهم وما يقوله من كلام مهم ومؤثر ومصيري , وقوف الرجل – أياً كانت شهادته – في المحكمة هو وقوف وجودي وإثبات أن له دور في الحياة , السعودي المعاصر ينتظر هذه اللحظة وقد لا تكون سينمائية لطيفة , وقد لا تتوقف عند شهادة زور فقط بل قد تمتد إلى ماهو أخطر ولنا في تجربة الإرهاب خير دليل على أن المستقبل المبهم والقرارات الإرتجالية والصوت المسروق المقموع هو الدافع الأكبر نحو المنكر الذي ينهوننا عنه ونحو شهادة الزور.
بداية هذا الشهر طلب مني الأصدقاء في القسم الثقافي بجريدة اليوم مداخلة عن أهم قضية تشغلني كمثقف , مباشرة كتبت أن ما يشغلني هو أن تصل أصوات التنوير والوعي والثقافة والمعرفة والتنمية إلى أطياف مجتمعنا , أن نجرب التحيز للحرية في نقاشتنا ونظرتنا للأشياء , أن نتخلص من عقدنا المحلية وعقد تاريخنا وتراكمنا الديني إلى فضاء أرحب وأفضل.
اتمنى أن تنشر عزيزي النخبوي هذه التدوينة في أوساط الأغلبية الصامتة
  • Facebook
  •  
  • Twitter
  •  
  • Google Bookmarks
  •  
  • email
  •  
  • Live
  •  
  • MySpace
  •  
  • Tumblr
  •  
  • RSS

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق