الاثنين، 20 يونيو 2011

17 يونيو: محاولة للتوثيق في زمن التعتيم الإعلامي

بداية رابط الموضوع الأصلي من مدونة عبدالله الرابح


 
     بعد 17 يونيو خرجت لنا صحيفة عكاظ بخبر عنوانه:” شوارع المملكة بدت هادئة .. قيادات مرورية في مختلف المناطق: لم نسجل أية حالة لقيادة امرأة للسيارة” (رابط الخبر). بينما أوردت صحيفة سبق:” في محافظة جدة أكد مصدر لـ”سبق” أنه لم يتم رصد أو ضبط أي امرأة تقود السيارة اليوم الجمعة، كما هو الحال في العاصمة الرياض حسب مصادر مرورية” (رابط الخبر)، في المقابل يتضح أن صُحُف: الوطن والجزيرة والرياض غابت عن توثيق الأحداث. أما في موقع التواصل الإجتماعي تويتر فأشار أحد المشايخ الفضلاء إلى وفاة فتاتين حاولن القيادة (اتضح أن الخبر إشاعة واعتذر الشيخ مشكوراً). بينما يورِد الأستاذ أبو لجين –مشرف موقع لجينيات- رسالة وصلته مفادها:”سقوط ذريع لليبراليين واحباط بين السفارات الأجنبية والجمعيات المشبوهه بعد فشلهم بالدعوة بخروج النساء للقيادة هذا اليوم”. أما أحد أعضاء مجلس الشورى فقد كتب في تويتر:”الأسوأ من فشل حملة ساقود سيارتي بنفسي لجؤ الحقوقيين والمدافعين والمتحمسين للكذب للايهام بالنجاح”.
  
ما الذي حدث فعلاً؟
     هل فِعلاً لم تقُد أي امرأة السيّارة؟ لقد نصّ موقع الحملة على أن لا يكون هناك أي تجمّع، بل أن تخرج المرأة وتقضي حوائجها دون سائق، مع الحرص على التوثيق –بالصور أو الفيديو-. فهل عدم إيراد صحُفنا لأي خبر دليل على عدم قيادة النساء في 17 يونيو؟ واقع الشبكات الإجتماعيّة يعطينا صورة مغايرة جداً لما حدث، وفيما يلي محاولة للتوثيق:
 -    في تويتر وحده تم رصد 58 حالة قيادة من مختلف أنحاء المملكة، قام بالرصد وتسجيل الأسماء: الصحفية نوف عبدالعزيز وهبة البتيري.
-         من بحث بسيط نجد أن هناك أكثر من 18 فيديو في يوتيوب لنساء -من مختلف أنحاء المملكة- قُدن في 17 يونيو (وضعت روابط لبعض الفيديوات في نهاية التدوينة).
-         نشر بعض النساء صورهن في فيسبوك وتويتر وهنّ يقدن.
-         في الفيديوّات ظهرن بعض النساء متنقبات، وبعضهنّ كاشفات. بعضهنّ كنَ يستمعن للقرآن أو الأناشيد، والبعض للأغاني. نجد من كانت تقود الليكزس، ونجد من كانت تقود التويوتا. نساء من جميع المشارب والطبقات والمناطق، ولم تتعرض أي واحدة منهنّ لأي مضايقات.
  
      أوّل مخالفة لامرأة في تاريخ السعوديّة!
 
-         حصلت الأستاذة نهى زوجة الأستاذ محمد القحطاني -رئيس جمعية الحقوق المدنية- على مخالفة مروريّة، الطريف هو أن المخالفة لم تكن لأنها أنثى، بل لأنها كانت تقود السيّارة دون رخصة! (رابط تقرير العربيّة عن الموضوع).
-         تم إيقاف فتيات في الرياض والأخرى في مكّة وتم توقيعهم على تعهدات بعدم تكرار الأمر.
  
-         تم اعتقال فتاة في حفر الباطن، وأوردت صحيفة سبق الخبر (هنا).
-       قادت الكاتبة د. أميرة كشغري سيارتها في جدّة وأجرت معها العربيّة مقابلة (رابط المقابلة)
-     قادت الأستاذة سمر بدوي سيارتها في جدّة. وأجرت معها قناء البي بي سي مقابلة (رابط المقابلة) وقناة الجزيرة أيضاً(رابط المقابلة).

سقوط أسطورة الذئاب الجائعة!
     لقد تشبّع الشعب السعودي بفكرة كون شبابه عبارة عن ذئاب جائعة -أو كلاب ضالّة-  ستغتصب أي امرأة تقود السيّارة. ونرى تكرار هذه الفكرة في الكثير من الخُطب والمقالات. إن هذه التهمة ترمي الشباب -الذي قد يكون الوحيد في العالم الذي يتلقّى تعاليم الدين الحنيف طوال 12 سنة في مراحل التعليم المختلفة، ولو فكّر بالإنحراف فإن الهيئة مهمتها ضبط الوضع- ترميه بأبشع وأقبح الصفات التي لم يسبق أن أطلقها شعب على شبابه! إن مجرد الحديث عن الذئاب-الكلاب لهو شتمٌ لمناهجنا التعليميّة/الهيئة /أولياء الأمور/خطباء مساجدنا/الجهات الأمنيّة بحيث أن كل جهودهم أنتجت “ذئاب تغتصب النساء في الشوارع”! ومن قوّة هؤلاء الذئاب أنهم أجبروا المجتمع والدولة على منع قيادة النساء خوفاً منهم! هل يفتقد مجتمعنا ”الأمن والأمان” الذي يسمح للمرأة بأن تقود في جميع دول العالم؟ ثم إننا نجد أنه عندما قادت السيدة نجلاء حريري ولم ترى فزّاعة “الذئاب الجائعة”، فإن البعض أصيب بصدمة. فمثلاً خرج أحد المشايخ الفضلاء عن آداب الحوار في حلقة برنامج “البيان التالي” ليصفها بالقواعد من النساء، في محاولة لتبرير عدم تحرش -الذئاب الجائعة- التي يؤمن بوجودها! والملاحظ أن البعض أُصيب بالإحباط لأن الشباب السعودي ظهر بأخلاق عالية، عكس ما كان يُروّج بأنهم كلاب مسعورة أو ذئاب مهووسة جنسيّاً.
في 17 يونيو قاد النسوة السيّارة في الدمام  والخبر ومكّة وجدّة والطائف وحفر الباطن، والمفاجأة كانت: الشعب السعودي شعب طبيعي لا يختلف عن بقيّة شعوب الأرض! في الفيديو ظهرن نساء منقبات، وأخريات متبرجات، ظهرن نساء مع أطفالهن وأخريات لوحدهن، ظهرن نهاراً وظهرن ليلاً، ولم يصادفن أي ذئب أو كلب ..الخ من الفزّاعات. وقبلهن قادت نجلاء حريري ومنال الشريف وأم إبراهيم المقاطي ووجنات وفتاة الرس ..الخ وفي كل الحالات أثبت الشعب السعودي أنه لا يختلف عن بقيّة شعوب الأرض! فلا شبابه حيوانات مسعورة ولا هم يحزنون! لاينفي أحد وجود حالات شاذّة -موجودة في كل مجتمع-، لكن الحالات الشاذّة تتم معالجتها عبر القوانين الرادعة، وليس عبر حرمان النساء من حقوقهن. ثم أن يوصم شباب بلاد الحرمين بالهوس الجنسي -استناداً على حالات شاذّة- لهو إهانة كبرى!
في نهاية 17 يونيو أصبحنا أمام فريقين: فريق يؤمن أن الشباب السعودي طبيعي، وهؤلاء يمتلكون دليل –حيث إن قيادة النساء من جدّة غرباً حتى الخبر شرقاً، ومن حفر الباطن شمالاً حتى الطائف جنوباً لم يروا فيها أي أمر غير اعتيادي-، وبين فريق آخر يدّعي أن الشباب السعودي ذئاب جائعة/مهووسة/مسعورة، وهؤلاء لا يملكون أي دليل سوى تقديم سوء الظن والخوض في النوايا.

التعتيم الإعلامي ..كلاكيت ثاني مرّة
     الغريب أن للمرّة الثانية –بعد قضيّة منال- تعتّم الصحف المحليّة على موضوع القيادة. ولم تكتفي الصحف بعدم نشرالخبر، بل تجاوز ذلك إلى نشر الأخبار الكاذبة. حيث ذكرت صحيفة عكاظ تحت عنوان:” شوارع المملكة بدت هادئة .. قيادات مرورية في مختلف المناطق: لم نسجل أية حالة لقيادة امرأة للسيارة” أنه لم يتم تسجيل أي حالة قيادة نسائيّة! ويضيف الخبر: “كما جرت العادة بدت شوارع المملكة أمس هادئة وصادمة لكل من روج لقيادة المرأة للسيارة ودعا إليها، مستخدما شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع إلكترونية عدة للتحريض على خروج النساء وقيادة السيارات” (رابط الخبر). أما في صحيفة سبق الإلكترونيّة فقد ذكرت تحت عنوان “وعي المجتمع يُفشل حملة قيادة المرأة السيارة” أنه لم يتم رصد أي حالات قيادة في جدة أو الرياض (رابط الخبر). لكن أوردت الصحيفة خبر قيادة عزيزة في الرياض تحت عنوان:” في مقطع فيديو.. السائقة “عزيزة” لابنها: اربط الحزام” وتضمن الفيديو الذي صورته الأستاذة عزيزة (رابط الخبر). وأيضاً خبر فتاة حفر الباطن تحت عنوان:” القبض على فتاة تقود سيارة على طريق القيصومة – حفر الباطن” (رابط الخبر) مما يناقض التصريح الذي نقلته الصحيفة. في المقابل، خيّم الصمت على صُحف الجزيرة والرياض والوطن. حيث لم يرد أي خبر يتناول الموضوع حتّى اللحظة، وكأن النساء كانوا يقدن سياراتهنّ في المريخ! الطريف أن صحيفة الرياض أوردت اليوم خبر “إغماء عاملات في مصنع في كمبوديا” (رابط الخبر) بينما تجاهلت تجاهلاً تامّاً نساء البلد! بينما نجد في صحيفة الجزيرة مقالاً ينتقد الشيخ يوسف الأحمد (رابط المقال) ومقال آخر ينتقد الشيخ العريفي (رابط المقال)، وكأن هدف الصحيفة الأساسي هو إثارة الصراعات مع المحافظين -لندخل في دوامة الإستقطاب العقيم- بدلاً من إيراد الأخبار حول ما يحدث في البلد! قد يكون السبب أن التيّار المحافظ ملّ من مناقشة موضوع القيادة، فوربما أن الصحيفة لا ترى فائدة في مناقشة موضوع لا يؤجج الصراعات التيّارية. بينما نرى صحيفة “عرب نيوز” الإنجليزيّة -والموجّهة للأجانب- داخل المملكة قد أوردت خبراً عن أن النساء قد قدن في جميع أنحاء المملكة، استجابة لحملة سأقود سيارتي بنفسي (رابط الخبر) فنرى خبر نجاح الحملة موجه للناطقين بالإنجليزيّة فقط في الصحافة السعوديّة. مقابل هذا التعتيم قامت صحيفة الحياة اللندنية بإيراد خبر مخالفة الأستاذة نهى (رابط الخبر) لتظل الصحيفة الوحيدة في المملكة التي تشير إلى الموضوع -ولو باقتضاب-. في حين غطّت الصحف والمحطّات العالميّة الحملة بشكل مكثف.

نجاح أم فشل؟
     سيختلف الحُكم على الحدث باختلاف الشخص. فقد يراها المُعارض حركة صغيرة لا تُمثّل أغلبيّة الشعب السعودي، بينما قد يرى المُؤيّد أن العدد فاق توقعاته –خصوصاً مع الخوف وتهديد حملات العقال والصدم والترهيب واستعداء “بعض التيارات” الدولة على النساء. لكن المؤيدين والمعارضين قد يُجمعون في نهاية المطاف أن الحملة نجحت في هدم أكبر ذريعة للمنع والمتمثّلة بـ”أسطورة الذئاب الجائعة”. حيث مع بنهاية 17 يونيو تفاجأ المجتمع بأن السماء لم تسقط ولا انشقّت الأرض لقيادة النساء، لقد نجح النسوة في وضع المجتمع أمام أكبر مخاوفة والتي تبيّن له -بعد أن جابهها- أنها مجرد أوهام. لكن تبقى بعض الأسئلة معلّقة، حيث قد يتسائل البعض: بعد أن سقطت فزّاعة الذئاب، ما الفزّاعة الجديدة التي سيتم ابتكارها ليحافظ بها أحد التيّارات على -ما يعتبره-  مكتسباً له؟ ولماذا يتكاتف “بعض” المحافظين مع “بعض” الصحف -ويتركون جميع صراعاتهم التيّاريّة جانباً- إذا جاء الحديث عن المرأة؟ ولماذا التجاهل التام من قِبل الصُحُف المحليّة للأحداث؟ أسئلة مازالت تبحث عن أجوبة.

الفيديّوات:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق