الثلاثاء، 21 يونيو 2011

منع المرأة من الحلال كي لا يقع الرجال في الحرام

يحيى الأمير        2011-05-31 2:20 AM


كلنا ندرك أن العزة والإكرام إنما يأتيان كاختيار وليس كإجبار وإكراه، وبكل تأكيد أن النساء اللواتي يجلسن في المقعد الخلفي لسياراتهن لا يشعرن بأنهن ملكات مكرمات وهن يفكرن في كيفية تدبير مرتب السائق وأجرته الشهرية
حزمة من التناقضات الصارخة التي لا يمكن للسعوديين تفسيرها لأنفسهم، فكيف بهم أن يحاولوا تفسيرها للعالم من حولهم، فالمملكة العربية السعودية هي البلد الوحيد، ورغم ما فيه من محافظة، إلا أنه يجبر نساءه على أن يشترين ملابسهن الداخلية من أيدي رجال، وتظهر حالة من الممانعة التقليدية كلما أثيرت هذه ودعي للخروج منها، ومنح المرأة حقها الفعلي في أن تبيع وتشتري في محلات الملابس النسائية.
ذلك المشهد يمثل هدرا يوميا للحياء والذوق في الشارع السعودي، وبكل أسف يتم ذلك برعاية جسورة من التقليديين، انقلبت فيها المحافظة من محافظة واعية إلى محافظة عمياء، باتت تنتج خلاف ما تعلن أنها تسعى إليه، فحفاظها على الأعراض وفي مثل هذه القضية بالتحديد لم ينتج إلا إيذاء أكثر وابتذالا لا حدود له، ويشعر النساء غير السعوديات في المملكة بكثير من الخجل والمفارقة وهن يشاهدن مثل هذه المناظر والمواقف التي لا يمكن استيعابها في بلدانهم الأكثر انفتاحا.
ليس بعيدا عن ذلك، موضوع قيادة المرأة للسيارة، والجميع يدرك أنه من غير الممكن أن الحل الفعلي القائم الآن يتمثل في السائق، دعك من الحديث عن كون المرأة معززة مكرمة، ولذلك فهي لا تقود سيارتها، وأن هذا نوع من التبجيل لها، فكلنا ندرك بأن العزة والإكرام إنما يأتيان كاختيار وليست كإجبار وإكراه، وبكل تأكيد أن النساء اللواتي يجلسن في المقعد الخلفي لسياراتهن لا يشعرن بأنهن ملكات مكرمات وهن يفكرن في كيفية تدبير مرتب السائق وأجرته الشهرية.
الذين يجادلون حول هذه القضية باتوا الآن في منطقة الخائف والمنافح وجلا وخشية، يتضح ذلك من كونهم يحملون ذات المبررات بل ذات الكلمات أحيانا: ماذا لو تعرضت للتحرش؟ لماذا لا تطالبون بحقوقها كاملة كالحصول على مستشفى نسائي خاص، وسوق نسائي خاص؟ كيف تريدون فرض ذلك على المجتمع؟ وكلها في الواقع مجرد جدال لا قيمة له، ويمكن تطبيقه على كثير من القضايا التي تمثل حقوقا يومية تمارسها المرأة، ثم إن الغرض من القيادة ليس حمايتها وفق المنطق الأبوي، وإنما منح المرأة حقوقها وفق المنطق القانوني، وهو من يتكفل بالحماية وحفظ حقوق الناس وحرماتهم، ولو أن ذات الفكرة أردنا تطبيقها على مختلف الشرائح لمنعنا أن يقود الشباب تحت سن الخامسة والعشرين سياراتهم ،لأنهم الأكثر تعرضا للحوادث المرورية، ولمنعنا الفتيات من الالتحاق بكليات الطب، ناهيك عن الابتعاث وغيرها من الحقوق والخيارات الوطنية.
لكن هل يجب أن تكترث الدولة والمؤسسة بالممانعين في القضايا التي تقوم على حرية الناس في الاختيار؟ هذا سؤال يمكن ربطه بالحجة الدائمة التي يطرحها الممانعون، وهو أن ما يراد لقيادة المرأة للسيارة من قبل أنصار هذه القضية هو فرضها على المجتمع، بينما الواقع يثبت أن الفرض مسألة لا مكان لها إلا كمخاوف فقط عند الممانعين، ولم يسبق لأحد أن فرض أمرا مما هو مختلف عليه، خاصة أن كثيرا من المستجدات التي شهدتها الحياة السعودية لم يحدث أن مرت دون ممانعة تذكر، وحين أقبل عليها المجتمع، تم ذلك بشكل اختياري وكانت وظيفة الدولة هي تنظيمه وإقراره وحماية الحقوق بوجه عام، لمن أراد ولمن لم يرد.
إذن، من أي جهة يمكن للدولة أن تتعامل مع هذه الممانعة؟ أولا الدولة هي الجهة الوحيدة التي بإمكانها حسم هذا الجدل فورا، بل وتدرك أن تأخره، وإن حدث بفعل ما شهدناه في التسعينات الميلادية من ظروف استدعت أن يكون المنع هو قرار تلك الحادثة في تلك المرحلة، لكنه وبما شهدته المملكة من تطورات نوعية وقفزات هائلة بات يمثل عقدة لا بد من حلها، لأنه منع لحق من الحقوق التي لا يمكن لأحد أن يجادل حولها، ولقد كرر الكتاب كثيرا في الأيام الماضية الاستشهاد بآراء خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد وسمو النائب الثاني بشأن هذه القضية، وكلها تصريحات تشير إلى أن ثمة وعيا قياديا عاليا فيما يتعلق بقيادة المرأة للسيارة. يقابله احتياج متزايد وإيمان عام بقيمة الحقوق، وتراجع في الممانعة الشعبية لهذا الحق، مما يجعل الأبصار والأعناق باتجاه حسم وموقف قادم من الدولة وحدها.
بات من الواضح لدى الجميع وبما في ذلك المؤسسات الرسمية أن الممانعة لا يمكن تأكيد شرعيتها دينيا، وليست سوى حزمة من التأويلات المتكلفة والمخاوف التي تتركز حول خشية الرجال من الفتنة، وفق منظور تقليدي ضيق، ركز على حماية الرجال من الفتنة، بينما لا يأبه بحماية النساء إلا في سياق الجدل، لأنه ذات المبرر الذي يساق في قضية تأنيث محلات الملابس النسائية. وكلتاهما قضيتان تشهدان اختلافا فقهيا أيضا.
 إذن,, يبدو أننا أمام حالة تمنع فيها المرأة من الحلال لكيلا يقع الرجال في الحرام، وهي قيمة بدائية للغاية، فالذي يحمي النساء من التحرش هو القانون وليس غياب المرأة من الحياة العامة.

هناك تعليق واحد:

  1. هل هذا هو الواقع . للأسف نعم وكأننا وحوش نتربص بالمرأه كي تخرج لنفعل كل الموبقات .
    أي تيار متشدد يقودك أيها الشعب السعودي الكريم العفيف الطاهر .

    ردحذف