الاثنين، 20 يونيو 2011

معاناة مغتربة بلا سياره


لم أكن أصغي كثيراً لحملات المطالبة بقيادة السيارة
ولم أجدها تعنيني بالمرتبة الأولى فأنا في ذلك الوقت
كنت أستقل مواصلات بريطانيا العالية الجودة للوصول إلى مقر دراستي

طُلب مني أن أتعلم القيادة أكثر من مرة
لخشية أبي مما قد أتعرض له باستخدام المواصلات العامة
تحديدا فيما يخص العنصرية ضد الإسلام
لكنني كنت أرفض دائما خوفا من القيادة ذاتها

لم تكن تجاربي مع المواصلات العامة جيدة جدا
نعم كانت في أغلب الأوقات ملتزمة بالمواعيد
متوفرة بكثرة ومنتشرة في أرجاء البلاد
المناطق متصلة بأنواع مختلفة من المواصلات
قطارات أرضية, وأخرى تحت الأرض, وترامات أرضية وباصات

لكن تنقلاتي الليلية مع تأخر دوام الجامعة
أجبرني على ركوب الباصات بعد الساعة الثامنة ليلا
الأسواق تغلق حين تدق الساعة السادسة مساء
وتحركات المارة قليلة جدا
بل إنه لا ينصح بالخروج في المساء إلا للضرورة!
ولك أن تتخيل ما قد يصيب أي فتاة بالخروج في ذلك الوقت
في مجتمع يكثر فيه شاربو الخمر ومتعاطي سجائر الحشيشة وبائعي المخدرات

كنت أشتمها دائما عند ركوبي هذا الباص
رائحة تقتل خلايا الأنف في أفضل الأحوال,
وتتسبب بالسرطان في حالات أخرى

تذكرت ذلك الفتى الصغير الذي لم يتجاوز الـ 15 من عمره
كثير الأذى لغيرة... مصاب بسرطان في الانف والنحجرة جراء تدخينه المستمر
خشيت ان يصيبني ما اصابه
فأنا اشتم رائحتها مكرهة بشكل يومي!

يا لكثرة دعائي في تلك الفترة بان يحفظني الله وأن يخرجني من بينهم سالمة
كنت أعي أنه لن يدافع عني أحد لو اعتُدي علي
مجتمع ليس فيه من المروءة شيء
كنا في بعض الأحيان نسمع في الدور العلوي لهذا الباص مشاجرات كثيرة
ورائحة سجائر الحشيشة تطغى على المكان
ولكن السائق لم يكن يحرك ساكنا وكأنه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم
دقائق كانت تمضي كساعات من القلق والخوف

أمضيت على هذا الحال ما يقارب الثلاث سنين حتى انتقلت إلى جامعة أخرى
حمدت الله أن حماني من ذلك المكان
ولكن هيهات!
فالمواصلات العامة هي الطريق للوصول إليها
تحسنت حالتي النفسية فأنا لم أعد اشتم تلك الرائحة
رائحة الجريمة والسكر... رائحة الخوف والتربص
ولكن المشي في الظلمات للوصول إلى محطات الباصات والقطارات
أصبحت أطول من تلكم السابقة

حينها فقط قررت أن أخوض التجربة وأقود سيارتي بنفسي
فأنا لم اعد اطيق هذا الخوف
ولم اعد اطيق البقاء هنا
ولست أظن خوفي من السيارة بأقل من خوفي من المشي في الظلمات
بين السكارى وبائعي الحشيشة والمخدرات ومغتصبي النساء والسارقين

حسبت أن تطول فترة تدربي على القيادة
ولكنني أخطأت التقدير!
كنت متحمسة جدا وأريدها بصدق, لا اعلم اين تلاشى خوفي!
أريدها فأنا أعلم أنها ستكون مصدر أمني وأماني
وستكون راحة لي في حلي وترحالي

استطعت أن أقودها بعد درس واحد في كل أسبوع لمدة 6 شهور
أخذت مفتاح السيارة وأصبحت أقودها وحدي لمدة ست شهور أخرى
كسرت حاجز الخوف والرهبة اللذان تملكا قلبي قبل أن ابدأ
وفعلا نجحت في ذلك, ونجحت في أول اختبار قيادة لي
ويا لها من من فرحة لا توصف! نهاية الخوف ونهاية لمعاناة التنقل الطويلة

قد لا يعي قارئ هذه السطور حجم المعاناة
إلا بعد أن يذوقها بنفسه
فما عليك سوى حجز أقرب تذكرة على مدن بريطانيا
(من غير العاصمة)
وتمشي في طرقاتها بعد الساعة الثامنة لتخوض تجربتي

شعور مشابه لذلك المشهد الذي استقل به سيارة الاجرة في بلادي
مع رجل اجنبي عني, لا اعلم هل يقودني الى حيث ارغب
ام الى حيث يرغب هو



من هنا اقولها بملء فيّ 
نعم لقيادة المرأة السيارة

المصدر
SouL of Science
(الرجاء ذكر المصدر عند النقل, لا أبيح أي سارق)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق